كتب – رئيس التحرير:
القمة التي انعقدت أمس بين الرئيس حسني مبارك وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العاهل السعودي احتلت مكانا بارزا في الأخبار العالمية والمحلية.. فالتوقيتات في السياسة مثلها مثل الحرب.. كلما كان موعد اللقاء سابقا لحدث هام تكون النتيجة المنتظرة أكثر ايجابية وقوة.
المشهد في العالم العربي الآن في منتهي الخطورة.. الدول ذات الشرعية والسيادة أصبحت في كفة والميلشيات الإسلامية التي تناوئها وتعاديها في كفة أخري.
يتصدر المشهد الآن حزب الله اللبناني الذي خرج عن شعوره بعدما لاحظ التقارب السوري اللبناني الأخير مع زيارة متوقعة لبشار الأسد لبيروت لأول مرة قريباً ..
تطورات الوضع في لبنان تنذر بالانفجار بعد أن صدرت تسريبات عن المحكمة الدولية التي تحقق في اغتيال رفيق الحريري تؤكد ان سوريا بريئة من دمه بينما ايدي بعض أعضاء حزب الله ملطخة.. هناك خطر علي لبنان من حزب الله قبل إسرائيل.
الموقف المصري السعودي بالنسبة للبنان واضح تماما ولا يحتمل لبسا. وقد لعبت الرياض دورا هاما في مد الجسور بين سعد الحريري وبشار الأسد. كما قامت مصر بمساندة لبنان انطلاقا من اهتمامها باستقراره وعدم تعرضه لما يهدد السلم الوطني فيه.. لا يمكن أن تقبل مصر ولا السعودية أن تلعب إيران في الوطن العربي من خلال عملائها فتقسم البلدان وتشيع الفوضي والفرقة. وتنشغل الحكومات والدول العربية بقضايا تأخذها بعيدا عن أهم اهدافها وهو رفع مستوي معيشة مواطنيها وتحقيق أعلي معدلات التنمية.
ورغم ان نتائج المحكمة الدولية لم تظهر بعد. إلا ان حسن نصرالله الذي كان يؤيد سوريا عندما كان الاتهام يطولها. انقلب علي عقبيه الآن وصار قلقا.. تعبيراته وتصريحاته تعكس الخوف رغم انه أعلن “لسنا خائفين”.
حزب الله ليس علي قوته التي كانت عام ..2006 جبهة الحرب علي إسرائيل أغلقت بقرارمجلس الأمن 1701 ونشر 15 ألفا من قوات اليونيفيل وتراجع قوات حزب الله 30 كيلو مترا عن مواقعها السابقة.. العلاقات السورية – السعودية تحسنت.. انسدت “الحارات” التي كان يدخل منها عملاء إيران.. تفاهم سعد الحريري مع بشار الأسد إلي درجة كبيرة. نزع أوراق الضغط التي كان يلعب بها الحزب لتعطيل السياسة في لبنان!
إذن كل مناطق المناورات التي كان يلعب بها الحزب قبل ذلك أغلقت.. لم يعد في يده إلا السلاح.. هذا السلاح استخدمه حزب الله في لبنان في 7 مايو ..2008 قتل 90 لبنانيا وأراد تركيب شبكة تنصت علي كل المصالح والهيئات الحكومية لتسمعها إيران.. أراد أن يحول لبنان إلي جمهورية إسلامية شيعية وفشل.
دمشق بدأت تدرك أخيرا ان ارتباطها بحزب الله يضعف فرصها كدولة في أن تحوز مصداقية دولية عالية وتستعيد الجولان.
حسن نصرالله كان يلعب علي الخلاف بين سنة لبنان بقيادة الحريري وبين العلويين السوريين “أحد طوائف الشيعة بزعامة الرئيس السوري نفسه.. من ثم أصبح الأمين العام لحزب الله متخبطا حاليا فتارة يبدي عدم الاكتراث وأحيانا يىملي شروطاً وفي المرة الثالثة يعلن رفضه التفاوض مع أي شخص يري ان أحد أعضاء حزب الله متهم.. ويعلل ذلك بقوله “سأتفاوض فقط إذا اتفقنا علي ان هناك شيئا يتم طبخه ضدنا وعلينا مواجهته”.. طبعا لن يجلس أحد مع نصرالله.. ناهيك انه لا يوجد من يملك الحق في الحديث نيابة عن المحكمة الدولية!!
مصر تناشد اللبنانيين – بما فيهم حزب الله – التحلي بالهدوء والتوقف عن تبادل التهديدات لأن مسألة التلويح بالقوة أمر غير مقبول. ولن تسمح مصر بتكرار ما حدث في 7 مايو 2008 فالقاهرة تري انه من الخطأ الشديد استباق قرار المحكمة الدولية لأن في هذا تخمينا استنادا إلي تسريبات وهذا لا يصح في عالم السياسة..لقد أطلقت المحكمة الدولية من قبل سراح بعض الضباط اللبنانيين وهو أمر يحسب لمصداقيتها وبالتالي فعندما يزايد عليها حزب الله سيخسر.
إيران تلعب بكارت المحاكمة الدولية لترغم حزب الله علي اشعال الموقف في المنطقة وتكرار ما حدث في 7 مايو.. وربما تنقسم لبنان.. وتعرض طهران سحب سلاح حزب الله الذي شرعه في وجه اللبنانيين. نظير اسقاط الملف النووي الإيراني.. ساعتها ستساوم إيران العالم علي بقاء العالم العربي علي وضعه الحالي أم تقسيمه إلي دويلات صغيرة من خلال عملائها .
حتي لو كانت سوريا مرتبطة بتحالف اقليمي مع ايران. فإن تقسيم لبنان وعدم استقراره لن يكون في صالحها.. تبرئة المحكمة الدولية لسوريا من دم الحريري خفف الضغوط عليها.. فجأة يشاهد السوريون علي شاشة التليفزيون لقطات لرئيسهم بشار مع نجاد ونصر الله ثم تعقبها لقطات أخري مع الحريري ورئيس وزراء تركيا السني كمال أوغلو.. تكتيك إيران بضرب السنة بالعلويين في سوريا ولبنان فشل فشلا ذريعا.
مصر والسعودية في اجتماع زعيميهما يسارعان إلي إغلاق الطريق أمام حزب الله لاسقاط حكومة الوفاق الوطني في لبنان.. نصرالله يسعي لانقلاب بقوة السلاح وتغيير رئيس الدولة وجلب العماد عون بدلا من ميشال سليمان الهاديء..
الحريري رغم صغر سنه أدرك أهمية النصيحة التي سمعها من الرئيس مبارك.. لا تتشدد.. بعدها ذاب الجليد بين دمشق وبيروت.. قال سعد الحريري أن التسرع باتهام سوريا باغتيال “الوالد” كان خطأ.. ورد بشار “ليس من طبعي قتل الناس”.. ومشي وليد المعلم علي خطي رئيسه فهدد كل سوري يجيء ذكره في قائمة اتهام المحكمة الجنائية بتقديمه للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمي.
وأعود لما بدأت به فأقول ان توقيت القمة المصرية السعودية هام جدا لإفشال مخططات طهران في المنطقة.. إيران هدفها الواضح تقسيم البلاد العربية أو تحريك أبنائها ضد حكوماتهم في ظاهرة خطيرة. حيث أصبحت الأخطار الداخلية أكثر من الخارجية.
تهديد السعودية
فالسعودية مثلا تقوم حاليا ببناء سور حديدي علي طول حدودها مع العراق بعد أن زادت تهديدات الإرهاب والتهريب. كما زادت التحركات الرامية إلي استقطاب الشيعة بالمنطقة الشرقية في السعودية لإثارة القلاقل والإضرابات داخل المملكة.. وجنوبا هناك الحوثيون الذين احتفظوا بعلاقات وثيقة مع إيران وحاليا تدور بينهم وبين الجيش اليمني معارك شديدة أسفرت عن انسحاب الجيش اليمني من صعدة. الأمر الذي يؤكد أن اليمن مثل لبنان يواجه خطر الانقسام وكما أن مصر تتاخمها غزة الإسلامية. فالسعودية يحدها شرقا العراق المليء بالجماعات الشيعية المارقة وجنوبا الحوثيون باليمن الذين دخلوا الأراضي السعودية فعلا. وأضطرت السعودية لمحاربتهم واقصائهم عن أراضيها.. كان طبيعيا أن تدافع السعودية عن سيادتها وتقاتل المعتدين. لكن مهدي عاكف المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر دعا السعودية إلي التوقف عن قتالهم في 8 نوفمبر 2009 حقنا للدماء. وهي دعوة باطل لأن القرآن الكريم يقول “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا . فأصلحوا بينهما. فإن بغت إحداهما علي الآخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله” صدق الله العظيم.. مهدي عاكف يريد أن تعلو الميلشيات الإسلامية علي شرعية الدول ليس في مصر فقط ولكن في العالم العربي كله.
أكرر أن القمة المصرية السعودية لا تهدف فقط لإنقاذ لبنان كما تردد. ولا إلي تحريك عملية السلام التي أصبحت بندا دائما في كل محادثات يجريها الرئيس مبارك. فما بالك بتلك التي يجريها مع أخيه الملك عبدالله بن عبدالعزيز. ولكنها تهدف وفي هذا التوقيت بالذات إلي حماية الشرعية العربية من خطر الميلشيات الإسلامية التي تحركها طهران من علي الشاطئ الآخر للخليج.
لن تقبل مصر أو السعودية أو حتي سوريا أن تتفرج علي الوطن العربي وهو يرهن مصيره وقراره وسيادته لطهران تتحكم فيه. وفي أراضيه. وتدبر الانقلابات وتغير الحكومات والرؤساء بحجة دعم المقاومة وشن حرب مقدسة ضد إسرائيل.
مصر تعاني أيضا من الانتقادات الظالمة لحماس التي تريد اختزال التضحيات المصرية طوال 25 عاما لصالح القضية الفلسطينية في مسألة معبر رفح الذي ظل مفتوحا 149 يوما عام ..2009 أي ما يقرب من خمسة أشهر ….وهو مفتوح الآن منذ الاعتداء الإسرائيلي علي اسطول الحرية في 31 مايو الماضي.. مصر تواجه ميلشيا إسلامية في غزة لا تري بأسا من تنفيذ خطة إسرائيل بإلقاء مسئولية القطاع علي مصر الأمر الذي يضعفنا سياسيا واقتصاديا ويؤدي لانفجار الموقف الداخلي فيها ويفتح الباب علي مصراعيه لإرهاب يرتدي ثوب المقاومة بالباطل.
قمة الأمس هي بداية الطريق نحو اعتماد شرعية واحدة للحكم في الوطن العربي.. لن يحكم المنطقة عملاء إيران وهناك مصر والسعودية.. الهوية العربية حصن سندافع عنه ضد الاطماع ومحاولات الفرقة والانقلاب والانقسامات وسنكشف دور الميلشيات الإسلامية في زعزعة الوطن العربي دائما. مهما تكبدنا من لعنات واتهامات من الأبواق الإيرانية والإخوانية.